البحث عن الطفلة ياسمين
أنا بدر أحكي لكم قصتي مع طفلة عمرها عشر سنين
في كل ليلة أذهب مع صديقي إلى الممشى القريب
من المنزل وأصبح هذا روتين يومي فنذهب سويا .
في أحد الأيام
أخبرني صديقي بأنه سينقطع فترة ولن يستطيع الذهاب معي
بسبب ظروف عمله خارج المدينة. أصبحت أذهب وحدي
إلى الممشى وبعد فتره أصابني الملل فقررت أن أغير
المكان ولكنني لم أعرف إلى أين؟
قررت الذهاب إلى إحدى الحارات ماشياً وهي
ليست قريبة من حارتنا ؛ ذهبت ودخلت تلك الحارة
وكانت بيوتها قديمة جدا وأغلبها خالية فأخذت
أمشي وأمشي وأنظر للبيوت ولم يكن أحد سواي
يمشي في ذاك الوقت. فجأة رأيت طفلة تجلس
على باب أحد البيوت تنظر للسماء ؛ هي طفلة
عادية الشكل متوسطة الجمال وأقل من عادية اللباس
وأبرز مافيها أن شعرها طويل وناعم
أعدت الذهاب إلى تلك الحارة وكنت في كل يوم أشاهد الطفلة
ومع مرور الأيام أصبحت الطفلة تبتسم عندما تراني تبتسم
تعجبت من أمرها لماذا في كل ليلة تجلس لوحدها ؟
ولماذا تبتسم لي ؟
فقررت أن أتكلم معها وأسألها كل الأسئلة التي تحيرني
في أحد الأيام ذهبت إلى حارتهم ورأيتها تبتسم لي
فذهبت إليها وسألتها :
ما اسمك؟
اسمي ياسمين
لماذا تبتسمين عندما تريني؟
لأنك الوحيد الذي أراه كل ليلة يمشي في حارتنا.
ماذا تفعلين هنا كل ليلة ولماذا دائما تنظرين إلى السماء ؟
أنا أحب الجلوس هنا كل ليلة في مثل هذا الوقت لكي
أنظر للسماء وأعد النجوم حتى يأتي الصباح
وأشاهد البنات يركبن الباص ويذهبن
إلى المدرسة.
وأنتِ ألا تذهبين إلى المدرسة ؟
سكتت الطفلة ياسمين ثم تركتني ودخلت إلى بيتهم
في اليوم التالي رأيتها في نفس المكان وابتسمت ثم قالت
لم تقل لي ما اسمك ؟
أنا اسمي بدر ثم تركتها وذهبت إلى حال سبيلي
وأصبحت يوميا أقف عندها لحظات ونتحدث
مع بعضنا مدة قصيرة ثم أذهب
مع مرور الوقت سألتها في أحد الأيام
ياسمين لم تُجبي على سؤالي ؛ لماذا لا تذهبين إلى المدرسة ؟
أجابت : أنا لم أدخل المدرسة من قبل بسبب ظروفِ حياتنا
أبي كبير في السن وفقير وأمي أمراه هندية
لذلك لم يدخلاني للمدرسة رغم أني أرى يومياً البنات
اللاتي في عمري وأصغر مني كلهن يذهبن إلى المدرسة.
بعد فترة طلبت مني ياسمين أن أعلمها القراءة والكتابة
فوافقت وأصبحت تقرأ وتكتب الأحرف فأحببت أن أكافئها
قلت لها : ماذا تريدين أن أحضر لكِ معي غدا ؟
قالت : انتظر
ودخلت إلى بيتهم وأحضرت لي كيساً فيه بعض الأغلفة
وقالت أريد ثلاث قطع من كل نوع ؛ نظرت في الكيس
فإذا بداخله غلاف جالسي وغلاف كت كات
وكيس بطاطس ليز وعلبة سن توب فارغة
قالت الطفلة ياسمين إني أرى البنات يحضرن هذه الأشياء
كل يوم من المدرسة وأنا جمعت أغلفتها بعد ما يرمينها
في الشارع وأود أن أتذوق هذه الأنواع
سألتها لم ثلاث قطع من كل نوع ؟
فقالت: واحدٌ لأبي والآخر لأمي والأخير لي
في اليوم الثاني أحضرت لها الأنواع وبالعدد الذي طلبته
كي لاتشعر بأني أعطف عليها لأنها طفلة ذكية
في اليوم التالي عندما رأيتها قالت لي : شكراً
أحسست عندما أكلتهم بطعم الحياة
ومرت الأيام وهي بإصرار وعزيمة تعلمت الكتابة والقراءة
وبعض الكلمات وقد فاجأتني عندما كتبت أمامي
( أمي, أبي, ياسمين, بدر) فقررت أن أهديها شيء
فأحببت أن أهديها شيء يسعدها وهوزياً مدرسياً
وبعد أيام أحضرت الهدية وقلت لها : لقد أحضرت
لكِ زياً مدرسياً وقدمتُ إليها زياً كحلي اللون
كالذي ترتديه طالبات المرحلة الابتدائية
وآخر رصاصي اللون كالذي ترتديه
طالبات المرحلة المتوسطة
فرحت ياسمين ومن شدة فرحها بالهدية
قبلتني ودخلت إلى منزلهم بسرعة.
في اليوم التالي ذهبت إلى حارة ياسمين في نفس الموعد
ورأيت الحارة في ظلمة شديدة بسبب انقطاع الكهرباء
فترددت قبل الدخول للحارة وسط الظلام حتى وصلت
إلى بيت ياسمين وهي بانتظاري وفي يدها شمعه وقالت :
توقعت حضورك وأحببت أن أشكرك وأردت أن ترى
الزي المدرسي وأنا أرتديه ؛ رغم جمالها المتوسط
لكنها بدت كملاك بالزي المدرسي وتمر الأيام
ونحن كما هي عادتنا نلتقي ونتحدث بحديث قصير
ثم أذهب وانتظر حتى يوم الثاني.
في أحد الأيام ذهبت إليها ولم أرها استغربت
فرجعت اليوم الثاني ولم أرها أيضا
وفي اليوم الثالث والرابع والخامس لم أرها
بدأت أقلق عليها وقررت إن اذهب إلى بيتهم
في الصباح وأسأل عنها ؛ وبالفعل ذهبت
وطرقت الباب فلم يجبني أحد فذهبت
إلى منزل جارهم طرقت بابه فخرج لي طفل
فسألته عن ياسمين فقال : لقد ذهبت مع أهلها
ولا أعلم إلى أين ذهبوا
ثم خرج والد الطفل فسألته عن ياسمين وأهلها فقال :
لقد ذهبوا إلى بيت جديد في إسكان الملك عبدالله
بمدينة أخرى لا أعلم أين
ثم سألني : هل أنت بدر؟
أصابتني حالة استغراب فقلت : نعم
ثم قال : البيت الذي كانت تسكن فيه ياسمين
وأسرتها لي وأود أن أريك شيء مكتوب على جدار
إحدى الغرف فدخلت بيت ياسمين ودخلت غرفة
أظنها غرفة ياسمين مكتوب على أحد جدرانها :
ابـــــحـــــــث عـــنــــي يـــا بـــدر حــــبــيــــبـــتــــك يــــاســـمـــيـــن
أخذت أتساءل أين أبحث عن ياسمين في أي مدينة ؟
وهل سأجدها ؟
أخذت أتساءل هل مصير الحي يلتقي بالحي
وألتقي أنا بياسمين ؟
أخذت أتسأل ماذا أسميها حبيبتي أو صديقتي
أو أختي أو ملاكي أو ياسمين.
همسه من أشعار الأمير سعود بن عبدالله :
آسف نسيت اسمك
ماصرت أقوله
مره أناديك حبيبي
ومره أناديك بحياتي
ومره ياقلبي وياعيني
ومره يا أجمل سنيني